السيرة الذاتية لأمي 

(1) 
عندما تحكي لي أمي عن الأحداث التي وقعت لها منذ أن تزوجَتْ حتى تزوجْتُ، وأنا أصغر أولادها، أشعر بالأسى أن أمي لم ولن تكتب «سيرتها الذاتية»! 
هذا التشوّق ثم الأسى ليس خاصاً بأمي وحدها، بل بكل أم في هذا الكون لا تجد الوقت الكافي لتكتب سيرتها الذاتية لأنها مشغولة بصناعة سيرة زوجها، وزراعة سيرة أبنائها. 

(2) 
خطر في بالي هذا الشجن وأنا أقلّب كتاب (سيرة الأمهات) الذي صنعته الشاعرة فوزية أبو خالد، فجاء مليئاً بالنثر والشعر والحزن والفرح والرجال والنساء والحياة والموت. 
كيف تجتمع كل هذه الأشياء في كتابٍ واحد؟ 
يحصل هذا فقط عندما يكون الكتاب عن (الأم) التي تلتقي عندها كل الأشياء، وتتفرق بغيابها. 
يتكون الكتاب من ثلاثة كتب: 
أولاً المقدمة التي كتبتها د. فوزية. ومن المخاطرة تسميتها مقدمة، حتى لا ينصرف ذهن القارئ إلى (المقدمة) تلك الصفحات الأولى عادةً في الكتب، التي إن لم تقرأها فلن تأثم (الإثم المعرفي). فمقدمة كتاب سيرة الأمهات هي بمثابة وثيقة عن الأم … سوسيولوجياً ورومانسيةً وقداسة وتمرداً وتنظيراً نقدياً ووطنية. حتى إني ظننت، آثماً، أن المؤلفة قد قالت في مقدمتها كل ما يمكن أن يقال عن الأم، رغم أنه لا أحد يستطيع أن يقول كل ما يقال عن الأم، مهما فعل! 
ثانياً المقدمة الأخرى التي كتبها الباحث الإعلامي الرصين عبدالعزيز الخضر. حيث استطاع عبدالعزيز وضع نصوص الكتاب في (خلاّط) تحليلي دقيق، أخرج به قوالب سوسيولوجية لتحولات المجتمع من خلال أداة قياس رئيسية هي (الأم): تحولات البناء الطيني والجدول اليومي للناس وثقافة الأسماء وخروج النفط ونزعة التوطين والتمدن وتعليم الأبناء. 
أما الكتاب الثالث في كتاب سيرة الأمهات فهو النصوص التي كتبها ٥٥ كاتباً وشاعراً وقاصاً وأكاديمياً عن السير الذاتية لأمهاتهم، في حياتهن أو حتى بعد وفاتهن. فموت الأم يختلف عن موت بقية الكائنات، فالأم حين تموت لا تموت كلها مرةً واحدة، بل يستمر موتها شيئاً فشيئاً، وقد تستمر إجراءات موت الأم عند أبنائها حتى يبلغوا أو حتى يشيخوا أو … حتى يموتوا! 
حين تقرأ كتاب سيرة الأمهات فإن أول ما يخطر في ذهنك هو: ليتني شاركت بالكتابة معهم عن أمي. 
لكن لا تقلق، فكل هؤلاء الخمسة وخمسين كاتباً قد كتبوا عن أمك. الفروقات تكمن فقط في الزمان والمكان وفي الابن أو البنت (الكاتب)، أما الأم فهي نفسها بين كل هؤلاء النساء. 
تتغير المرأة … لكن لا تتغير الأم. 
كتاب (سيرة الأمهات) هو سيرة ذاتية لأمي، ولأمّ كل من لم يشارك في الكتاب. 

(3) 
لو كان محمود درويش قد وجّه قصيدته «الحنينية» إلى حبيبة أو عشيقة، هكذا: 
أحنّ إلى خبز (حبيبتي) 
وقهوة (حبيبتي) 
ولمسة (حبيبتي) 
هل كانت ستحظى القصيدة بالقبول والخلود كما كتبها هكذا: 
«أحنّ إلى خبز أمي  
و قهوة أمي  
و لمسة أمي،  
و تكبر فيّ الطفولة  
يوما على صدر يوم،  
و أعشق عمري لأني  
إذا متّ،  
أخجل من دمع أمي!». 
الحقيقة التي يجب أن نتذكرها دوماً هي أن (الأم) كائن مختلف عن سائر المخلوقات.